القائمة الرئيسية

الصفحات

شريط الاخبار

علال زوهري يكتب..السياسة وجريمة اغتيال الثقافة

علال زوهري يكتب..السياسة وجريمة اغتيال الثقافة

علال زوهري يكتب..السياسة وجريمة اغتيال الثقافة

بقلم : علال زوهري

لا يختلف اثنان حول الأهمية العظمى للثقافة وللعقول المثقفة ودورها الرئيس في نهضة الأمم وفي بناء مجتمعات متقدمة قادرة على فرض احترام الآخرين لها في واقع عالمي لا يحترم سوى الأقوياء الذين صنعوا قوتهم من خلال صناعة العقول وتحريرها من التبعية والتقليد واستهلاك الأفكار لتصير عقولا منتجة قادرة على الإبداع والإبتكار بالإضافة إلى قدرتها الهائلة على كتابة التاريخ والتأثير في مسار البشرية وفي العقول الفارغة التي تعتبر الثقافة منتوجا تكميليا ومظهرا من مظاهر الترف والإسراف.

لقد أصبح المثقف في واقعنا المعاصر/المتخلف شخصا غريبا من جهتين اثنين، الأولى كونه يحس بغربة شديدة وسط مجتمع غارق في الجهل المعرفي، مجتمع يعيش في الخرافة والفوضى وقلة الوعي بأبسط الأمور… فتجد هذا المثقف تائها تعتريه حيرة قاتلة بين أن يتمسك بمبادئه التي اكتسبها بعد عناء طويل ومسار مضن من القراءة والبحث والتعلم فيكون مضطرا بذلك إلى خوض معارك ضارية مع وسطه، وبين أن يتنازل عن تلكم المبادئ لصالح الأفكار السائدة تفاديا للمشاكل والصدامات فيعيش بذلك في صراع داخلي مرير قد يؤدي به إلى اضطرابات نفسية من اكتئاب وشيزوفرينيا ووسواس قهري.

وما يزيد الطين بلة، هو أن الثقافة بما تحمله من فعالية مؤكدة ومجربة في تحقيق النهضة ليس لديها مكان في التوجهات الكبرى التي يتم رسمها على أعلى مستوى من أنظمتنا الحاكمة، كما أن مكانتها متأخرة جدا في البرامج التنموية للهيئات المنتخبة من حكومات وجماعات ترابية، بل إن هذا الشيء الغريب المسمى “ثقافة” ليس له ذكر في البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية التي تعتبر أن وسيلة التأثير على المواطن هي إشباع رغباته البيولوجية فقط وأن هذا الأخير لا يلقي بالا لغذاء العقل مادامت معدته فارغة لا تجد غذاءها، وبالتالي فلا داعي لتضييع الجهد والوقت في تسطير أهداف ذات طابع ثقافي لن تساهم في كسب أصوات توصل إلى مناصب الحكم.

وإذا أردنا تحليل هذا المنطق في التعامل مع الثقافة من طرف سياسيينا، سنصل إلى أن الأصل فيه هو أن فاقد الشيء لا يعطيه، فالنخبة من هؤلاء أشخاص أفنوا حياتهم في التعليم الأكاديمي من أجل الحصول على أعلى الشواهد الدراسية في الوقت الذي لم تطلع فيه عقولهم على مصادر المعرفة والثقافة العامة، فتكون نتيجة ذلك أنهم يصيرون في المناصب التي يتقلدونها ماكينات تتخذ قرارات مستهلكة تتخبط في العبثية ويغيب عنها الإتقان والإبداع، مما يفسر لنا البيروقراطية المتعفنة التي تغوص فيها مؤسسات الدولة ومصالحها المختلفة حيث يعاني المواطن من ويلات الانتظار الطويل والإجراءات التي لا تنتهي، أما الشريحة العظمى من السياسيين فهم في غالبيتهم أناس منكبون على تحقيق طموحاتهم الشخصية ببراغماتية مفرطة لا يحتاجون معها إلى إضاعة الوقت في القراءة والتعلم، دون أن نغفل على فئة أخرى تابعة وذات عقول معطلة كل دورها هو اتباع الزعيم وترديد كلامه ببغاوية عمياء.

من جهة أخرى، نرى للأسف الشديد مثقفين جعلوا أنفسهم في خدمة السياسيين، بعضهم عن حسن نية ربما ورغبة في تحسين المشهد السياسي وتحقيق نوع من التغيير ولو بنسبة ضئيلة، فأظهروا بعض التنازلات لكي لا يتم إقفال الأبواب في وجوههم منذ البداية.. أما البعض الآخر فقد اختار لنفسه ألا يخرج من هذه الدنيا خاوي الوفاض، وأن يجعل لنفسه مكانا في لائحة المستفيدين من “نعيم” السياسة بعد أن مات لديهم الأمل في الحصول على الحياة الكريمة التي يستحقونها بالوسائل “النظيفة” والمشروعة، فتنازل بذلك عن كل مبادئه وألقى بكل أفكاره وثقافته في حاويات القمامة.

أما الصنف الأخير، فقد اختار العزلة.. العزلة التي قد يجد فيها راحة ممتعة مع الشخص الوحيد القادر على فهمه والذي يمكنه الثقة به ألا وهو نفسه، لكنه بالمقابل يجد نفسه غارقا في حيرة مظلمة و بحر تساؤلات لا تنتهي حول مصيره ومصير مجتمعه المتخلف المتقدم نحو الهاوية دون أن يملك حولا ولا قوة لإدراكه وإنقاذه، بل إن الحيرة تزداد لديه سوءا حينما يتذكر المسكين بأنه محمول في نفس الركب ومتجه نحو نفس الهاوية.

تعليقات