خطاب الذكرى 25 لعيد العرش يعلن خطورة أزمة الموارد المائية في المغرب
بدا لافتا في الخطاب الذي ألقاه الملكمحمد السادس بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، مساء أمس الاثنين، تركيزه الكبير على أزمة الماء التي تواجهها البلاد، بسبب توالي سنوات الجفاف وتنامي الطلب واستهلاك المادة الحيوية، إذا اعتبرها من أهم التحديات التي تواجه المملكة وتتطلب المزيد من “الجهد واليقظة، وإبداع الحلول، والحكامة في التدبير”.
وقدم الخطاب الملكي تشخيصا دقيقا لإشكالية الماء التي تزداد حدتها بسبب الجفاف، وتأثير التغيرات المناخية، والارتفاع الطبيعي للطلب، إضافة إلى التأخر في إنجاز بعض المشاريع المبرمجة في إطار السياسة المائية.
حدة متزايدة
أكد الملك محمد السادس أن توالي ست سنوات من الجفاف “أثر بشكل عميق على الاحتياطات المائية، والمياه الباطنية، وجعل الوضعية المائية أكثر هشاشة وتعقيدا”، مذكرا بالتوجيهات التي أصدرها لـ”اتخاذ جميع الإجراءات الاستعجالية والمبتكرة لتجنب الخصاص في الماء”، خاصة على مستوى العديد من المناطق بالعالم القروي.
وأمام تزايد الاحتياجات والإكراهات شدد الملك محمد السادس في الخطاب ذاته على ضرورة “التحيين المستمر لآليات السياسة الوطنية للماء، وتحديد هدف إستراتيجي، في كل الظروف والأحوال، وهو: ضمان الماء الشروب لجميع المواطنين، وتوفير 80 في المائة على الأقل من احتياجات السقي، على مستوى التراب الوطني”، كما أكد على أهمية “استكمال برنامج بناء السدود، مع إعطاء الأسبقية لمشاريع السدود، المبرمجة في المناطق التي تعرف تساقطات مهمة”.
وطبقا للمنظور الملكي الإستراتيجي الإرادي والطموح دعا عاهل البلاد إلى “تسريع إنجاز المشاريع الكبرى لنقل المياه بين الأحواض المائية: من حوض واد لاو واللكوس، إلى حوض أم الربيع، مرورا بأحواض سبو وأبي رقراق؛ وهو ما سيمكن من الاستفادة من مليار متر مكعب من المياه التي كانت تضيع في البحر”، لافتا إلى أن هذه المشاريع “ستتيح توزيعا مجاليا متوازنا، للموارد المائية الوطنية”.
أخطر أزمة
في قراءته للخطاب الملكي اعتبر الأكاديمي والمحلل السياسي عبد الحفيظ اليونسي أن ما لفت انتباهه من الناحية الكمية هو شغل موضوع الماء “أزيد من 80% في المائة من مجموع الخطاب الملكي لعيد العرش 2024، وهو كم مهم جدا في خطاب له قيمة توجيهية للمؤسسات والسياسات”.
وسجل اليونسي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الخطاب الملكي كان دقيقا في التشخيص، وامتدادا للخطب الملكية السابقة في بعدها الإجرائي والتنفيذي”، مؤكدا أن “الماء تحول إلى معضلة حقيقية تهدد استقرار البلاد، مع توالي سنوات الجفاف وكثرة الطلب على الماء من طرف جميع القطاعات، خصوصا الفلاحة والاستهلاك المنزلي وغيرهما”.
وزاد الأكديمي ذاته موضحا أن “الوضع خطير جدا ويهدد سيادة واستقرار البلاد؛ وبالتالي معالجة هذه المعضلة يجب أن تكون من مستوى هذه الخطورة من خلال الجمع بين الجدية والحرفية والوطنية، مع النجاعة في الإنجاز”، مبرزا أن “الوضعية من بين أسبابها التأخر الذي حصل في مباشرة المشاريع، وهو تأخر له أسباب سياسية وتمويلية؛ وأيضا بيروقراطية”، وفق تعبيره.
وذهب اليونسي في قراءته للمحور الرئيسي في الخطاب إلى أن أزمة الماء “معضلة تهدد البلد وسيادته وصورته وتمس بأداء الدولة وظيفتها التوزيعية في توفير مادة حيوية للحياة”، موردا أن “الأمر لا يتعلق بالحديث عن دولة الرفاه؛ بل نتحدث عن دولة الكفاية التي توفر الأساسيات للحياة، وبالتالي الأمر يتطلب ثورة في الاختيارات وفي التدبير، لأنها أخطر أزمة تواجه البلاد في عهد الملك محمد السادس”.
دليل مرجعي
أفاد عبد الله أبو عوض، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي، بأن “الخطاب الملكي أولى أهمية كبيرة للماء والتحديات التي صارت تواجه الكثير من الدول بسبب الجفاف؛ كنتيجة للاحتباس الحراري والتغيرات المناخية”.
واعتبر أبو عوض أن “الخطاب كان عبارة عن دليل مرجعي لما ينبغي العمل عليه والسير به قدما نحو تفعيل إرادة متكاملة بين كل المعنيين بورش العناية بالماء واستثمار مجالاته”.
وسجل المتحدث ذاته، ضمن تصريح لهسبريس، أن “الخطاب الملكي تضمن توجيهات مهمة لعدد من القطاعات الحكومية المهمة، من أبرزها وزارة التعليم العالي التي دعاها إلى إحداث شعب للهندسة المائية، وتخريج مختصين في إصلاح محطات المعالجة لمياه البحر؛ مع إحداث شعب تقنية للوقوف على الإجراءات العملية التي تستوعب المواكبة والتطوير في مجال التحلية”.
كما تضمن الخطاب الملكي، وفق الأستاذ ذاته، “توجيهات لوزارة الفلاحة تهم ترشيد المياه الطبيعة التي تستنزف ثرواتها في البحار، ما سيخلق أكثر من مليار مكعب، كثروة ستستغل لتغطية الحاجات ورفع بعض التحديات؛ فضلا عن مطالبته بالاهتمام بإتمام الأوراش الكبرى المتعلقة ببناء السدود وإتمام كافة المشاريع المرتبطة بها”.
مسؤولية مشتركة
أشار أبو عوض إلى أن الخطاب الملكي في بعده التوجيهي “حمل المسؤولية لكافة المغاربة، من اقتصاديين وغيرهم، لأهمية الماء وضرورة المحافظة عليه، باعتباره جزءا من استكمال الانفتاح الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي داخل بلدنا”.
وحول ما إذا كان الخطاب انتقادا للحكومات السابقة وأدائها في ملف الماء اعتبر الأكاديمي ذاته أن “فلسفة أي خطاب من الخطابات الملكية تنبني على قاعدة استشراف المستقبل، والاستجابة لضرورات الحاضر، وأن على أي حكومة أن تستفيد من وراء القراءات المتعددة للخطاب الملكي والإشارات الموجودة فيه، لترفع من همة برامجها بما يتوافق والهندسة الإستراتيجية التي يوضحها”.
وأبرز المتحدث أن “كل حكومة ليس لها الإدراك لقراءة مضامين الخطابات الملكية، وتبقى في انتظار الأوامر”، مؤكدا أن “الحكومة تعتبر مسؤولة عن أي تأخير في الأوراش الكبرى التي يسايرها البناء المغربي، تحت قيادة صاحب الجلالة”، حسب تعبيره.
تعليقات
إرسال تعليق