التعاون الأمني بين المغرب وألمانيا يرسخ التنسيق الاستخباراتي وتبادل الخبرات
في سياق تزايد تحديات أمنية إقليمية ودولية تعتمل بقوة بين قارتي إفريقيا وأوروبا وحوض المتوسط، حمَل “تبادل وجهات النظر حول مختلف القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك، وتقييم حصيلة التعاون الثنائي بين الرباط وبرلين في مجال الشرطة”، المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، في زيارة عمل، تمت بداية الأسبوع الجاري، إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية.
وبحسب المعلن ضمْن مخرجات الزيارة، ناقش المسؤول الأمني المغربي خلال زيارته مع مسؤولي كل من الشرطة الفيدرالية (BUNDESPOLIZEI) والمكتب الفدرالي للشرطة الجنائية (BKA) “سبل تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات الأمنية، خاصة في مجالات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وتأمين التظاهرات الرياضية الكبرى”.
وطيلة ثلاثة أيام، جمعت “لقاءات عمل” حموشي بمسؤولين ألمان بارزين في مختلف الفروع الأمنية والجنائية؛ على رأسهم ديتر رومان، رئيس الشرطة الفيدرالية الألمانية، وهولغر مينش، رئيس المكتب الفيدرالي للشرطة الجنائية، دون إغفال ملاقاة المسؤولين الأمنيين الألمان المتخصصين في مكافحة الإرهاب والأمن الرياضي.
مكافحة التهديد الإرهابي نقطة أخرى مهمة في التعاون الأمني بين الرباط وبرلين تعززت بـ”زيارة خاصة” للوفد المغربي إلى مقر المركز المشترك لمكافحة الإرهاب (GTAZ) بمدينة برلين، اطّلع خلالها على آليات عمل المركز في التنسيق بين مختلف أجهزة الأمن الألمانية، وسبل التعاون الممكنة في هذا الإطار مع مصالح الأمن المغربية في مجال مكافحة مخاطر التهديد الإرهابي في بُعده العابر للحدود الوطنية.
برنامج هذه الزيارة لم يخلُ أيضا من “استعراض أشكال التعاون الممكنة بين المغرب وألمانيا في مجال الأمن الرياضي، وآليات تبادل الخبرات والمساعدة التقنية بين الجانبين في تأمين التظاهرات الكبرى”، مع الاطلاع على “الترتيبات الأمنية ومعايير الأمن والحماية التي تطبقها شرطة مدينة برلين لتأمين فعاليات يورو 2024، التي تحتضن دورتها الحالية ملاعبُ ألمانيا”.
“مستوى متقدم يترسّخ”
قال إحسان الحافظي، أستاذ جامعي متخصص في الحكامة الأمنية، إن هذه الزيارة “تأكيدٌ على مستوى متقدم من التعاون الأمني بين المغرب وألمانيا”، مسجلا أنها “تدخُل أيضا في إطار تكريس قواعد الدبلوماسية الأمنية التي تميز العمل الأمني المغربي منذ 2016 تقريبا”.
وبحسب الخبير المغربي في العلوم الأمنية، مصرحا لجريدة هسبريس الإلكترونية، “لا بد من الإشارة إلى أن حجم التعاون بين ألمانيا والمغرب وصل إلى هذا المستوى بفعل الثقة أو بفعل علاقة الثقة التي بُنيت بين المصالح الأمنية المغربية ونظيرتها الألمانية”.
في السياق ذاته، استحضر الحافظي “مؤشريْن ساهما في تعزيز هذه العلاقات؛ الأول هو الدور الذي لعبه المغرب في تنبيه المصالح الأمنية الألمانية من هجمات برلين سنة 2016 التي استهدفت مواطنين من خلال هجوم بشاحنة كان يقودها مواطن من أصول تونسية، واعترفت آنذاك المصالح الألمانية، تحديدا وزارة الداخلية، بأن المغرب كان قد نبّه إلى هذه العملية”.
المؤشر الثاني، يسترسل المتحدث لهسبريس، هو “الزيارة التي قام بها مدير مكتب حماية الدستور بألمانيا إلى المغرب”، وهو جهاز مخابرات داخلي، معتبرا أن “هذه الزيارة كان لها الدور في ترتيب هذا اللقاء الذي تم بين المسؤولين المغاربة ونظرائهم الألمان”.
وسجل الحافظي حضورا وازناً ضمن أجندة هذا اللقاء بين حموشي ومسؤولين أمنيين في برلين لمسائل “تأمين المظاهرات وأيضا مكافحة الإرهاب، مع مكافحة العنف المتطرف، والجريمة المنظمة وغيرها”، وتابع مفسرا: “لأنه من المعروف أن ألمانيا تحديدا عانت كثيرا من تنامي الظاهرة الإرهابية والخطابات المتطرفة، وقد خلق لها هذا الوضع مشاكل حتى داخل الاتحاد الأوروبي.
“نستحضر هنا أن الهجمات التي استهدفت ألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد انطلقت من هامبورغ في ألمانيا. وبالتالي، فمن شأن هذه العلاقات الثنائية أن تُعيد بناء تصور جديد لأمن أوروبا ولأمن ألمانيا”، يخلص المصرح لهسبريس.
“استفادة متبادلة”
من جانبه، سجل محمد عصام لعروسي، خبير في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، أن “المصالح الأمنية الألمانية تظل محتاجة للدعم المغربي والخبرة والتجربة التي راكمتها مصالح الأمن المغربي بشهادات عالمية وإقليمية”، مبرزا أن “ما تنعَم به المملكة من الاستقرار والتجربة يمنحها الثقة المتزايدة”.
وأطّر لعروسي، في تعليق لهسبريس، أهداف ومسار الزيارة في “سياق تقوية وتعزيز العلاقة بين المملكة والجمهورية الألمانية الاتحادية”، مسجلا أنها تدخل في إطار “انفتاح المغرب على تجارب التعاون الدولي للتنسيق الأمني، خاصة أن ألمانيا تعرف أن الهاجس الأمني من بين الاعتبارات التي دفعتها لمراجعة الموقف من قضية الصحراء المغربية” قبل سنتين.
“زيارة المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني ستجعل الاستفادة من الجانبين”، بحسب الخبير في الشؤون الأمنية، لافتا إلى “حرص ألماني متزايد على التنسيق الأمني في عدد من القضايا مع سلطات الرباط”.
وعزا لعروسي هذه النتيجة إلى “وُثوقية ومكانة وأهمية المغرب في القارة الإفريقية”، خاصة في قضايا الأمن العابر للحدود من هجرة واتجار بالبشر وجرائم منظّمة”.
ولم يفُت المدير العام لمركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية بالرباط أن يستدل بـ”تقارير إقليمية ودولية تتحدث عن ارتفاع مخاطر التهديدات الأمنية المتأتية من دول جنوب الصحراء في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية التي قد تشجع ظواهر إجرامية لأنشطة شبكات الإرهاب وشبكات الاتجار بالبشر والهجرات السرية… وهي كلها ملفات حارقة وهامة”، وفق توصيف لعروسي.
كما عرّج على “حيوية التعاون الاستخباراتي بين أجهزة البلدين”، مستحضرا “دورا أساسيا في ضمان تبادل المعلومات للمتهمين المحتمَلين أو المطلوبين من البلدين”.
في جانب “تأمين التظاهرات الرياضية الكبرى”، أبرز لعروسي أن “مساهمة المغرب بشكل وازن في تأمين وإنجاح مونديال قطر 2022، ساهمت بشكل كبير في الحضور الوازن لمدير الأمن الوطني إلى جانب مدراء الأمن العالميين على الساحة الدولية”، مع “الاعتماد في شقِّ كبير على تبادل وجهات النظر عبر اطلاعهم على كيفية التدبير التنظيمي لمسابقة يورو”، بما قد “يعود بالنفع على كيفية احتضان المغرب كان 2025 ومونديال 2030، فضلا عن الدورة 93 لأشغال الجمعية العامة للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول) بمدينة مراكش خلال السنة المقبلة”.
تعليقات
إرسال تعليق